الأحد، 15 نوفمبر 2009

رأي في المصالحة الوطنية

عند ذكر مصطلح ( المصالحة الوطنية ) فإن أول ما يتبادر للذهن هو اعتراف النظام الحاكم بالطرف أو الأطراف الأخرى ، و الاعتراف بأن لهذا الطرف أو الأطراف الحق في الوطن و في أن يكونوا أعضاء فاعلين في هذا الوطن ، و اعترافه أيضاً بأن العلاقة بينه و بين ذات الطرف أو الأطراف و التي تشترك معه في نفس الوطن هي علاقة غير سوية و تتطلب إصلاحاً ، و أن لهذا الإصلاح بعض المعالم ، يجب أن تكون واضحة مفهومة ليتفاعل معها الجميع كل حسب رأيه الحر .

فهل تحتوي دعوة المصالحة الوطنية في ليبيا تلك المفردات ؟ هذه الدعوة التي تظهر و تختفي منذ حين ، لعل أوضحها ما أعلنت عنه وزارة العدل مؤخراً و التي حصرت دعوتها هذه في من قضى مدة من الزمن في السجن بدون حكم قضائي . ثم ما دعت إليه صحيفة الشمس ( الرسمية ) يوم الجمعة بخصوص مصالحة في الجانب السياسي و في كل ما يتعلق بعلاقة الدولة مع المواطنين في اعتراف صريح بوجود خلل كبير في علاقة الدولة بمواطنيها . فهل تخلت الدولة عن مبدأ إقصاء الآخر ؟ هل تسعى إلى التصالح مع مواطنيها مهما كانت آراءهم و توجهاتهم ؟ هل تسعى إلى حل مقبول من الجميع ؟ .

من الصعب علي أنا على الأقل التصديق بأن للدولة أي توجه أو نية للمصالحة من هذا النوع ، و أتصور أن الكثير من الليبيين يشاركوني الرأي . فأي مصالحة يمكن تصديقها و مازال هناك سجناء رأي يقبعون في السجون ، أي مصالحة و هناك أكثر من 500 سجين بريء مسلوب الحرية بدون وجه حق ، منهم من قضى أكثر من عشرة سنوات ، و هناك من يعاني من مرض خطير يهدد حياته مثل خليفة الشبلي المصاب بمرض الإيدز و حالته الصحية من سيء إلى أسوء ، أي مصالحة و مزال هناك من هو ممنوع من السفر بسبب رأيه ، أي مصالحة و ما زال يتم استدعاء الصحافيين و الإعلاميين للنيابة بسبب تغطيتهم الإعلامية لقضايا تهم الرأي العام ، أي مصالحة و مازال من يعبر عن رأيه لا يأمن من الاعتقال و الملاحقة . قد يقول قائل بأن المعنيين بالمصالحة التي تقصدها الدولة هم الأشخاص الذين سجنوا ظلماً بدون حكم قضائي ، و هذا ما أعلنت عنه وزارة العدل مؤخراً و تناقلت بعض المواقع الخبر على أن المعنيين هم سجناء رأي سابقون ، و هم ليسوا كذلك ، بل هم أشخاص لم يدانوا حتى بالقوانين الدكتاتورية المقيدة لحرية الرأي و التعبير ، و حتى لو جاز و اعتبرنا ذلك نوعا من المصالحة الوطنية ، كيف يمكن للمعنيين أن يصدقوا نية الدولة في مصالحتهم و هم لا يضمنون أن لا يعودوا إلى السجن ظلماً و بهتاناً و هم يشاهدون أخواناً لهم يتعدى عددهم 500 شخص مسجونين بدون حكم قضائي و لم يخرجوا حتى الآن ، هل هي مصالحة من نوع ( خوذ فلوس و اقلب وجهك . و إن عدتم عدنا ) ؟ هل مفهوم المصالحة هو دفع الأموال لتجنب المسؤولية القانونية بدون أي التزام بعدم تكرر ما سبق من ظلم و تعدي ؟ .

أو لعل المقصود بالمصـالحة ما طرحته صحيفة الشـمـس في عددها الصادر يوم الجمعة حيث جاء فيـهـا ( العلاقة بين الجهاز التنفيذي للدولة والمواطن الليبي الذي اتخذت في حقه قرارات لم تراع المواطن وكانت سببا في ارتفاع البطالة والتضخم وتفشي الفساد وانخفاض قيمة العملة الوطنية والاعتداء على المال العام ) ، و ذلك ما أراه محاولة جديدة للضحك على ذقون الليبيين و تمكين جماعة المفسدين السابقين أو تمكين مجموعة مختارة جديدة ليكونوا هم وحدهم فرسان مرحلة الإصلاح المزعوم و الانتقال بليبيا من الثورة إلى الدولة ، و تثبيت و إقصاء بقية الليبيين من ذوي الرؤى والتوجهات المخالفة ليبقوا في حالة انتظار ما ستسفر عنه جهود الشلة المختارة ( كما هو حال الليبيين الآن ) .

على الدولة إذا صدقت نيتها في المصالحة ، أن تفرج أولاً عن السجناء الأبرياء غير المدانين بالقوانين السارية ، و أن تفرج عن سجناء الرأي ، وأن تعطي كل ذي حق حقه أو تعوضه التعويض المناسب ، ثم بعد ذلك تفتح أبواب الحوار الحر الصريح دون شروط مسبقة مع جميع الأطراف الليبية في الداخل و الخارج دون إقصاء أو تخوين أحد ، ليساهم الجميع في بناء صيغة مرضية للمصالحة الوطنية . بعد أن تحدث تلك المصالحة الوطنية الحقيقية يصبح من ضمن حقوق و واجبات كافة الأطياف التي تشكل في مجموعها المجتمع الليبي ، أن تسوغ معاً معادلات الإصلاح ، و تحدد معالم ليبيا المستقبل ... ليبيا كل الليبيين .