الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

زيارة موفقة و تقرير عادل


حضرت منذ أيام منظمة ( هيومن رايتس ووتش ) ممثلة في وفدهم الكريم المتكون من كل من توم مالينوفسكي مدير مكتب ( هيومن رايتس ووتش ) في واشنطن ، و سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة ، هبة مرايف الباحثة و المسئولة عن تغطية أوضاع حقوق الإنسان في مصر وليبيا، وهي مؤلفة التقرير الحقوقي ، و عمرو خيري مسئول الترجمة و المسئول عن الموقع الإلكتروني العربي للمنظمة ، و كانت الزيارة محل ترحيب من المهتمين بموضوع حقوق الإنسان في ليبيا بطبيعة الحال . غير أن هناك من أبدى عدم ارتياح لهذه الزيارة ، و خصوصا بعد فشل عدة محاولات لغرض التقليل من شأنها أو للاستفادة من هذه الزيارة لصالح تزيين واقع حقوق الإنسان في ليبيا .

بدأت المحاولات المشبوهة قبل موعد الزيارة المرتقبة من قبل بعض المواقع الإلكترونية المحسوبة على النظام ، حيث نشرت هذه المواقع خبر اعتزام وفد المنظمة إطلاق تقريرهم عن حقوق الإنسان في ليبيا من داخل العاصمة طرابلس ، و ذكرت في هذا الخبر أن هذه الزيارة جاءت بناءً على دعوة من مؤسسة القذافي الخيرية ، و هذا ما كذبته منظمة ( هيومن رايتس ووتش ) ، حيث ذكرت بأنها هي من طلب إطلاق التقرير من داخل البلاد . لكن تلك المواقع المشبوهة رأت بأن هذه الحقيقة البسيطة تحتاج للتعديل مناقضة بذلك أبسط قواعد العمل الصحفي النزيه ، و ربما بهذا ظللت بعض المواقع الأخرى التي نقلت الخبر دون أن تكلف نفسها عناء تأكيده من المصدر . ثم بعد ذلك أصدرت جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية تقريرها عن حقوق الإنسان في ليبيا في محاولة استباقية واضحة للتقليل من شأن تقرير المنظمة الزائرة ، و هذا واضح من توقيت إصدار هذا التقرير الذي جاء قبل يوم واحد من موعد المؤتمر الصحفي الذي أطلق من خلاله تقرير (هيومن رايتس ووتش) ( الحقيقة و العدالة لن ينتظران ) . و قبيل موعد المؤتمر قام رجال الأمن الليبي بمنع مجموعة من أهالي ضحايا مذبحة بوسليم من السفر إلى مدينة طرابلس لحضور المؤتمر ، كما انقطعت فجأة خدمات الهاتف النقال و الإنترنت عن مدينة بنغازي خلال فترة بقاء وفد المنظمة في ليبيا ، بالإضافة إلى منع بعض الصحفيين الأجانب من الدخول إلى البلاد ، ولا أستغرب إذا علمت بأن المنع طال حتى صحفيين محليين ، مما يؤكد إصرار النظام على المسلك الأمني القمعي و التعتيمي في معالجة مشاكل و قضايا لن تحل أبدا بهكذا عقلية .

حان موعد المؤتمر المرتقب يوم 12/12/2009م في فندق كورنثيا ، حضر الوفد و حضر مجموعة من الصحفيين الليبيين و الأجانب ، و حضر بعض المواطنين من أهالي ضحايا بوسليم الذين استطاعوا التسرب من الحواجز التي فرضها رجال الأمن ، و حضر بعض السجناء السياسيين السابقين و مهتمين بقضايا حقوق الإنسان و بعض من لهم مظالم أخرى ، و طبعا لا ننسى حضور شخصيات تراقب بعناية كبيرة بحيث لا تفوتها شاردة أو واردة داخل قاعة المؤتمر . وزعت على الحاضرين نسخ من التقرير و تحدث أعضاء الوفد بإيجاز عن ما جاء فيه . التقرير جاء في 78 صفحة منتقداً بشدة أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا ، و يسلط الضوء على بواعث القلق الرئيسية ، و يقترح خطوات عملية يجب على النظام الليبي أن يخطوها للوفاء بالتزاماته تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان . التقرير حسب وجهة نظري يعبّر بمنتهى العدالة عن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا ، و هو يعكس فهماً عميقاً للواقع الحقوقي في ليبيا ، و يعكس عناية فائقة و جهد و اجتهاد كبيرين من جانب الآنسة هبة مرايف التي تفضلت مشكورة بكتابة هذا التقرير .

بعد تقديم عرض موجز للتقرير من قبل أعضاء المنظمة ، أعطيت الفرصة للأسئلة و المشاركات من الصحفيين و بقية الحاضرين . و طرح بعض الصحفيين أسئلة جريئة تتعلق بانتهاكات سابقة و حالية لحقوق الإنسان . كما تحدث بعض المواطنين من أهالي ضحايا مذبحة بوسليم و سجناء سابقين و أصحاب مظالم أخرى و قاموا بطرح قضاياهم و مطالبهم العادلة بشجاعة ، و كانت هناك الكثير من الأيدي المرفوعة تطلب الفرصة للكلام ، مما استثار بعض المخلوقات الظلامية التي لم تحتمل سطوع الضوء فارتبكت و صرخت و تلفظت ، بغرض أفساد أجواء المؤتمر ، و بالتالي اضطر أعضاء الوفد لإنهاء الحوار قبل أن يتمكن الكثير من التحدث بما جاءوا من أجله .

رغم محاولات التشويه و التشويش ، أعتبر أن الحدث في مجمله إيجابياً جداً بالنظر لعدة اعتبارات أولها أن التقرير كما ذكرت سابقا كان عادلا جدا ، و هو قد صدر عن جهة دولية محايدة ذات مصداقية عالية في تناولها و طرحها لقضايا حقوق الإنسان على مستوى العالم ، و هذا التقرير جاء في فترة تحاول السلطة الليبية إيهام العالم الخارجي بأنها بصدد تسوية مشاكلها الداخلية و بأنها بدأت تنزع إلى إصلاحات داخلية من خلال التساهل فيما يتعلق بحرية التعبير على شبكة الإنترنت ، و من خلال إطلاق بعض السجناء السياسيين، و إجراء حوارات مع أهالي الضحايا و بعض السجناء السابقين ، و السماح لمنظمات حقوقية دولية بالتعاطي عن قرب نسبياً مع قضايا داخليا ، ثم جاء هذا التقرير ليشخص بوضوح مواطن الخلل الرئيسية و الخطيرة التي مازال يعاني منها الشعب الليبي ، و يحدد الخطوات العملية التي يجب على السلطة إتباعها في حال صدقت النية في الوفاء بأبسط شروط احترام حقوق الإنسان . ثانياً كان تفاعل الليبيين المعنيين مع زيارة ( هيومن رايتس ووتش ) و مع تقرير ( الحقيقة و العدالة لن ينتظران ) جيدا جداً ، من خلال عدد الحاضرين الذين تواجدوا في قاعة المؤتمر ، و من خلال أعداد الذين حاولوا الحضور فلم يستطيعوا بسبب منعهم من قبل رجال الأمن ، و كذلك من خلال كثير من المشاركات التي طرحت قضاياها و مطالبها بكل جرأة ، و أعتبر هذا ترحيبا بوجود من يعوض و لو جزئيا افتقار الســاحة المحلية لمؤسـسـات حقوقية ذات مصـداقية . ثــالثــاً التواجد الشــجاع و النشــيط لصــحفيين و إعلاميين و مدونين ليبيين في قلب الحدث دون انتظار موافقات أو ضوء أخضر من أحد ، و هذا ما أعتبره مكسباً مهماً جداً خصوصا بعد ما طرحوه من أسئلة ، و بعد الطريقة التي تناولوا بها فعاليات المؤتمر في تغطيتهم الإعلامية . في النهاية لا يسعنا إلا التوجه بالشكر و الإمتنان لمنظمة هيومن رايتس ووتش و وفدهم الموقر على الجهود التي بذلوها و يبذلونها في سبيل دعم قضايا حقوق الإنسان في ليبيا و العالم أجمع .

alaa7773@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق