الاثنين، 18 يناير 2010

مأساة خليفة الشبلي


كثيرة هي المآسي التي يعيشها الليبيين هذه الأيام ، فلا تكاد تشيح بنظرك عن مأساة لتقع عيناك على مأساة أخرى . فبعد الكارثة التي مازال يعاني منها أخينا حسن القماطي ، ها هي مأساة أخرى تطل بوجهها القبيح ، و إن كان عرف جزء بسيط من ملامحها سابقا . إنها محنة خليفة محمد الشبلي السجين السابق المصاب بمرض نقص المناعة الطبيعية الإيدز . خليفة الشبلي من موالد عام 1971 م سجن في تاريخ 17/7/2007 م ليقضي مدة سنتان و نصف رغم صدور حكم براءة بحقه ، وكان قد أصيب بمرض الإيدز عام 2002 م . و لكن معاناته بدأت قبل هذا التاريخ بسنوات و الآتي بعض المحطات من معاناة خليفة الشبلي حسب روايته :

· وجد خليفة نفسه في نهاية عقد الثمانينات مثل الكثير من الشباب الليبيين في تلك الفترة أمام أوضاع معيشية صعبة بحيث يستحيل معها التفاؤل بمستقبل أفضل ، فقرر السفر للعمل و تحسين وضعه المادي . حط به الرحال في رومانيا و عمل فيها لبضع سنوات ، ثم تزوج هناك من رومانية ، و في عام 1993 أصبحت زوجته على وشك الولادة فقرر خليفة العودة إلى الوطن ليتمكن من تربية أبنه أو ابنته في بيئة تناسب معتقداته و التقاليد التي تربى عليها . و كان في تلك الفترة يوجد إجراء أمني تفرضه السلطات في ليبيا لمثل هذه الحالة يقتضي الحصول على موافقة أمنية بالزواج من أجنبية . عاد خليفة إلى ليبيا وحده ليقوم بالإجراءات المتبعة حتى يتمكن من جلب عائلته لتعيش معه في وطنه . توجه إلى مقر الأمن الخارجي فطلبوا منه عدة أوراق و صور قام بإحضارها في ملف سلمه للأمن الخارجي . و في اليوم التالي عاد ليتابع موضوعه ليفاجأ بأن لا وجود لأي ملف باسمه ، و إنكار تام باستلام أي ورقة منه ، و وصل الأمر بعد مشادة كلامية إلى طرده ، و حاول خليفة بعد ذلك بعدة طرق معرفة ماذا حل بالملف دون جدوى . و علم بأن زوجته وضعت له مولودة ، و استدعي هو لأداء الخدمة الوطنية . خلال تلك الفترة تغيرت مفاتيح هواتف المدن في رومانيا مما أدى إلى فقد الاتصال بين خليفة و أسرته ، و يبدو أن حتى أرقام هواتف زوجته و أسرتها قد تغيرت أيضاً ، حاول خليفة أن يجد طريقة للاتصال دون جدوى ، و لم يستطع السفر بسبب وضعه العسكري ثم بعد ذلك واجهته عدة ظروف منعته من السفر كان أهمها ظروفه المادية الصعبة ، حيث عبر عن ذلك بأن أكبر مبلغ كان يمكن أن يتواجد بجيبه هو 150 دينار ، و هو قيمة مرتبه حين يستلمه . الآن و بعد حوالي 17 عشر سنة لا يعلم خليفة مصير أسرته و لم يتمكن حتى الآن من رؤية ابنته .

· لم تقف معاناة خليفة عند هذا الحد ، فقد تعرض للإصابة بمرض الأيدز عام 2002 ، و كان يعمل وقتها حارسا ليليا في إحدى المدارس القريبة من بيت والده حيث يقيم معه . حاول بعد ذلك أن يتأقلم مع وضعه الجديد و ذهب إلى قسم الأمراض السارية المختص بمثل حالته ، حيث من المفترض أن يتابع هذا القسم حالته الصحية و يمكنه من بعض المساعدات المتعارف عليها في بقية دول العالم للمصابين بالايدز مثل توفير المواد اللازمة و العيادات المختصة لعلاج المصابين و الأدوية و التغذية المناسبة ، بالإضافة إلى مرتب ضماني أو إعانة ، لأن وظيفته لم تعد تناسبه بظرفه الصحي الجديد ، و لكن لم يجد من ذلك القسم إلا المماطلة و عدم جدوى أي إجراء يمكن متابعته معهم . فاضطر إلى الاستمرار في حياته كالسابق خصوصا و أن حالته الصحية كانت جيدة و مستقرة ، و كان قياس مناعته كما أخبرني في تلك الفترة 500 و هو جيد جدا و لا يستدعي منه أن يأخذ علاجاً .

· علم بعد ذلك بإمكانية زواج مصابين بالإيدز دون أن يصاب الابن بالمرض ، فعاد إليه الأمل في الحياة و تقدم لخطبة فتاة مصابة و حصل على موافقتها و موافقة أهلها ، و تعهدت جمعية ( و اعتصموا ) بتكاليف زواجه في إطار زواج جماعي نظمته ، و حصل على ما يفيد بعدم وجود مانع طبي من ذلك ، و في النهاية اصطدم برفض المحكمة الابتدائية و من بعدها العليا لعقد الزواج مما أجبره على صرف النظر عن الموضوع .

· في تاريخ 17/7/2007م ألقي القبض عليه في بيته و زج به في السجن و تعرض للضرب و الإهانة هو و بعض أخوته ، و استمر اعتقاله مدة سنة و نصف قبل أن يعرض على النيابة التي إحالته هو و آخرين إلى ما يسمى بمحكمة أمن الدولة ، لم يأخذوه لحضور كل جلساتها ، حيث حضر بعض الجلسات و غيب عن أخرى ، و يقول أنه في الجلسات التي حضرها لم توجه له أي تهمة ، و لم يستمع إلى مرافعة محاميه ، كما أن حكم البراءة علم بيه في السجن و لم يحضر جلسة النطق بالحكم ، هذا بالإضافة إلى عدم تمكينه من مقابلة محاميه خلال فترة استمرار المحكمة . و بعد أن حكم بالبراءة استمر اعتقاله 4 أشهر أخرى .

· خلال فترة السجن التي بلغت سنتان و نصف كان نادراً ما يسمح لأحد أفراد عائلته بزيارته ، كما أنه بعد أشهر من اعتقاله تدهورت حالته الصحية جداً ، و بعد عدة محاولات و إهانات من الحراس و مدير السجن أخذ إلى طبيب مختص ليكتشف بأن مقياس المناعة لديه نزل من 500 إلى 20 و هذا مؤشر خطير جداً و يدل على أن حياته معرضة للخطر ، ( كما أخبرني خليفة يبدأ المريض بصرف الدواء عندما ينزل مقياس المناعة إلى 300 ) ، بدأ يصرف له حصة شهرية من الدواء الغالي الثمن ، و كان في بعض الحالات يتأخر وصول الدواء رغم أن تأخره ليوم واحد عن المريض قد يعرض حياته للخطر ، و صرف له السجن مواد تموينية جيدة و لكن استمر التضييق المعنوي و النفسي رغم تأكيد الطبيب في تقريره على ضرورة مراعاة الجانب النفسي للمريض .

· بعد أن أفرج عنه في 5/12/2009م حاول الحصول على ملفه الطبي من إدارة السجن لكي يتمكن من صرف حصته الشهرية من الدواء ، فلم يحصل عليه ، و هذا يعرض حياته للخطر فالدواء ثمنه ليس أقل من 2000 يورو ، و خليفة لا يستطيع شراءه نظرا لظروفه المادية الصعبة ، فهو فصل من عمله ، و لم تفلح محاولاته لصرف مرتباته المتأخرة و العودة إلى سابق عمله . و حتى لو تمكن من ذلك فإن مرتبه لن يمكنه من شراء الدواء ، و قد أخبرني أنه حصل على حاجته من الدواء حتى الآن من المركز الخاص بالأطفال المحقونين بالإيدز حيث تعاطفوا معه و كان يوجد لديهم القليل الفائض عن حاجة المرضى المسجلين لديه ، و هذا غير مضمون استمراره ، فخليفة لا يضمن الحصول على دواء للشهر القادم .

· كل أوراقه بما فيها جواز سفره و مسوغاته الشخصية محتجزة لدى الأمن الداخلي ، و يرفض أعادتها له . و هو يحتاج إليها ليسافر بمساعدة بعض أصحاب الأيادي البيضاء ليجري الكشوفات الطبية للتعرف على وضعه الصحي بصورة أوضح . بالإضافة إلى أنه يريد أن يرى ابنته التي بلغت سن 16 سنة و لم يتمكن من رؤيتها حتى الآن ، و قد ذكر لي بتأثر شديد بأنه يكاد يراها في كل منام دون أن يتبين ملامحها ، فهو لم يلتقي بها في حياته و لم يرى صورتها .

· بعد خروجه من السجن حاول أكثر من مرة الاتصال بالقيادات الشعبية في بنغازي و بجمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي عن طريق مديرها التنفيذي الأستاذ محمد طرنيش ، و لكنه لم يحصل على غير الوعود بمساعدته .

خليفة يشعر الآن بأن الوقت ليس في صالحه ، و يتمنى لو يستطيع رؤية ابنته في أقرب وقت . و هو لا يطلب الكثير ، فقط جواز سفره و مسوغاته الشخصية ، و صرف حصة شهرية من الدواء ، و مرتب ضماني أو حتى العودة لعمله كحارس ليلي أو أي عمل يكفيه الحاجة إلى الناس ، بالإضافة إلى مرتباته المستحقة .

علاء محمد الدرسي

هناك 7 تعليقات:

  1. بارك الله فيك على هذه الاعمال الهادفه.وان دل على شي فانما يدل على اهتمامك الواضح بمعاناة الشعب الليبي.. نتمنى لك دوام التوفيق

    ردحذف
  2. ليك رب كريم
    وهدا حال الكلاب اللى يحطو فيهم فى الاماكن القدرة زى الامن الداخلى ولا الخارجى

    ردحذف
  3. استشهد خليفه يوم دخول الكتائب مدينه بنغازى

    ردحذف
  4. استشهد خليفة نسال الله ان يتقبله في بوابة القوارشة ومن لا يعرف الرحل المتلثم الذي يقود الدراجة النارية الرباعية ويحمل عليها رشاش ومعه على الدراجة ار بي جي انه خليفة الشبلي بطل بنغازي رحمه الله

    ردحذف
  5. عليك رحمة الله اخي خليفة نسأل الله ان يتقبلك من الشهداء لقد عانيت كثيرا في زمن المقبور ولكن الله العدل لن يخذلك

    ردحذف
  6. الله يرحمك ياخوي انقني فقتك

    ردحذف
  7. خوي علاء انا خو الشهيد اسد بنغازي خليفه الشبلي نبي انتواصل معاك فيك بنت الشهيد وغالي علينا والله انا محمد

    ردحذف