الجمعة، 12 مارس 2010

سلوى حسين القاضي : كيف تم تبليغنا بوفاة أخي الشهيد عادل حسين القاضي

Posted on by السياسي الليبي

بسم اللة الرحمن الرحيم

الاخوة القراء الاعزاء ارغب في ان احكي لكم الكيفية التي تم تبليغنا بها بوفاة اخي الشهيد عادل حسين القاضي :

في شهرفبرير سنة 2009 بدأت الجهات الامنية بتبليغ بعض العائلات الليبية بوفاة أبنائهم في السجن ، وذلك بكل المدن الليبية ،ومن بين هذه العائلات ابنة عمي التي تم تبليغها بوفاة ثلاث من ابنائها وزوج ابنتها ، سافرت انا واختي الى درنة لتقديم العزاء لابنة عمنا المنكوبة المحتسبة أمرها لله ، عدنا الى بيتنا (منزل العائلة ) وتركنا امي عند ابنة عمي ، عدنا ونحن نشعر بالقهر والالم وننتظر نحن ايضا ان يبلغونا بوفاة اخي .. برغم ان الامل كان يشع بخيط رفيع ان اخي لازال على قيد الحياة لأسباب سنعرفها فيما بعد..

ونحن بمنزل العائلة تسرب الينا خبر بطريقة ما انا واختي أن اخي عادل موجود اسمه بالقائمة فكان وقع الخبر كالصاعقة سكنت أعيننا الدهشة وأمتلات قلوبنا بمرارة موحشة فأجهشنا بالبكاء صمتا ولم نستطع أن نبلغ أمي ولا أبي ولا العائلة بذلك لان البلاغ الرسمي من الجهات الامنية لم يصلنا بعد وذهب أخي الى جميع الجهات الامنية تلك العشية الى مابعد العشاء للتأكد من ذلك فوجدها جميعا مغلقة فقررنا ان نلتزم الصمت بمرارة موجعة لانهاية لها فنحن لانستطيع أن نقيم العزاء وان نبكي موتانا حتى تأذن لنا السلطات الامنية بذلك ..(اصدقت العجوز الى قالت ما يجدن غير البدع) حتى بكاء موتانا صار بأمر الحكومة (اى ظلم هذا ) .

الغريب في الامر اننا حرصنا كل الحرص ان لايسمع ابي الخبر تلك الليلة ولكن هو ايضا سمع الخبر فاذا به يتحدث الينا اناواختى وجسمه كله يرتعد ووجهة قاتما من شدة الاسى وعينيه مليئة بالدموع..عادل اسمه في القائمة

احتضنته انا واختى التى قالت له اصبر ابي فهو من الشهداء فصار ابي يجهش بالبكاء ويقول (يانعلى ياجنيني يانعلي ياجنيني )وفي محاولة منا كاذبة بالصبر والادعاء بالقوة حاولنا تهدئة ابي الذى طلب من اختي ان تذهب الى بيت ابنة عمي وان لاتخبر احدا بما سمعنا خصوصا امي وان تأتي بامي للمنزل بعد السهرية وننتظر الغد لعل الجهات لامنية الموقرة تعلن عن وفاة اخي.

بعد ان ذهبت اختي جلست بجانب أبي اضمه بكلتا يدي ولاادري ماذا اقول اوماذا افعل فقط الغصة تخنقني

والالم بحال ابي يحرقني .. ابي الذي صار يدور تلك الليلة جيئة وذهابا بين غرفته وباب البيت الخارجي حافي القدمين يجر رجليه جرا يصفق يديه بمرارة موجعة (يانعلي ياجنيني..يانعلي ياجنيني ).. ابي البالغ من العمر 80 عاماالذى حفرت على وجهه تجعدات 20 سنة من الالم والحنين والانتظار بصبر لعله يرى ابنه في اواخر عمره هاهو يجلس على حافة سريره تلسعه نار( الفقد ).. احيانا يجهش بالبكاء واحيانا يخرج الى الشارع ينظر يمينا ويسارا شاردا حزينا وكانه يامل ان ياته احد اويعزيه احد.. حتى انه كاد ان أن يقع على الارض عدة مرات من هول ما وقع على كاهله وهو في هذه السن وانا انظر اليه بأسى واقول حسبى الله ونعم الوكيل..

والله لوان محمود درويش راى حال هذا الاب تلك الليلة والعشرون سنة من الانتظار والحلم بعودة الابن يغتال بهذه الطريقة البشعة لما كفته 1000 صفحة من الشعر لوصف هذه الماساة الانسانية .

تلك الليلة لم يغمض لنا جفن فقط الدموع تنهمر بدون صوت خشية ان تشعر بنا امي التى هى بدورها جفاها النوم لاحساسها بان الغد ليس باليوم العادي بالنسبة لنا.

في اليوم التالي ذهب أخي الى الجهات الامنية ليسأل عن اخي فقالوا له (( ديرو عزاكم )) .

هكذا كانت كلمة باردة (ديرو عزاكم ) لكنها تحرق بوحشية.. تغتال بنهم الروح والجسد.. تشعر أن هذه الكلمة الباردة وكأنها مصهور رصاص يصب في احشاك قطرة قطرة ..بكينا وبكت معنا المدينة ، لم نبكي الموت بقدر ما بكينا القهر والظلم الموجع بوحشية ..بكت امى (أه ولو تدروا ماذا فعلت أمي) ولطمت الخدود هي وزجات اعمامي صويحباتها على مدى هذا العمر،(زوجات أعمامي تتجاوز اعمارهن 80 عام وأحداهن شبه مقعده )

لطمن الخدود وصرن يعددن ليس على موت عادل الذى كن يحببنه كثيرا وله مكانة خاصة فى قلوبهن لطيبة قلبه ونزاهة خلقه وبساطته ولكن بكينا طريقة موته ووحشية هذه الجريمة..لطمن الخدود غضبا ورفضا لعزاء بدون جثمان بدون صلاة جنازة بدون قبر.. بكينا حلم صاحبتهن الذى اغتيل بعد13 عام….فليست البشاعة فقط فيما ارتكب داخل اسوار السجن ، لكن البشاعة ايضا أن الاهالى ينتظرون وينتظرون على مدى هذه الاعوام يرسلون المؤن والملابس والادوية والاموال الى ابنائهم داخل السجن وحراس السجن يأخذون هذه الاشياء ولااحد يتكلم ولاحتى يقول لاتبعثوا هذه الاشياء مرة أخرى ..بل الآمر والادهى من ذلك انه كانت تصل بعض المعلومات ان ابنائنا على قيد الحياة (ومنهم أخي عادل) ..البشاعة ايضا ان الام تنام وهي تحلم كل ليلة بعودة ابنها تحلم وهى تقدم له ماخزنته في الفريز من لحم عيد كل سنة وقديد ، وتعطيه ماء زمزم وتمر المدينة والجلابيب من مكة التى احتفظت بها لحين عودته ، وتختار من بنات الجيران عروسا تناسبه ، تحلم هذه الام بعودة ابنها ومحاولة نسيان كل ألام تلك السنين وعذابات السجن ..تحلم وتحلم لتصحوا يوم 24/2 على اغتيال هذا الحلم .

وتأتي ابنة عمي التي فقدت ثلاث من ابنائها وزوج ابنتها في هذه المجزرة مستندة على عكازها تتمايل يمينا ويسارا تنظر في وجه ابي وامي رافعة يدها وتشير بالشاهد الى السماء قائلة بصوت عالى حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل ..اثبت ياسيدى اثبت ياسيدى ..ابنة عمي التى حين تنظر الى وجهها فأنت تنظر الى صبر لاحدود له وحزن لاتكفي انهار العالم لغسله عن وجهها .

وبعد كل هذه العذابات والالام ياتي الامر من الحكومة بان نقبل الدية في اغتيال اخي عادل ….رفض ابي ورفضت امي بشدة حتى انها قالت والله لو اجبرونا على ذلك فسوف احرق الاموال قبل ان تدخل الى المنزل.

واخيرا فانا اضم صوتى الى صوت كل الاباء والامهات الى صوت كل المقهورين من ابناء هذا الوطن واطالب ليس فقط بمحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا هذه المجزرة ولكن اطلب بمحاكمة الدولة على الصمت والعذاب الذي مارسته علينا طيلة 13 عام أطالب بمحاكمة كل المسئولين الذين سخروا من أحلامنا واستهئزوا بكرامة الاباء والامهات طيلة 13 عام ……………………وها أنا اعزي امي وأبي وكل الاباء والامهات بقول الله تعالى : (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ).

( أخت الشهيد..سلوى حسين القاضي )

12 مارس 201 شحات – ليبيا

للاطلاع على المقال الأصلي انقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق