السبت، 17 يوليو 2010

والدة الشهيد بن عيسى جعودة : أرونا أين وضعتم أبناءنا، ولماذا قتلتموهم؟

03:32:06 17/7/2010

المنارة - خاص

ما أصعب أن تفقد الأم أحد أبنائها، فكيف إذا كان الأمر بأم فقدت ابنين وعلى فترات متفاوتة،وتتمنى معرفة كيف انتهى الأمر بمصير ابنها الثاني الذي اغتالته يد الغدر في ليلة ظلماء شديدة السواد، وهذا هو حال الحاجة حميدة اجويلي والدة الشهيد بن عيسى امحمد اجعودة أحد أبطال ملحمة بوسليم في العام 1996 ووالدة الكابتن صالح اجعودة الذي قضى في انفجار طائرة الخطوط الليبية العام 1992 في رحلة داخلية بين بنغازي وطرابلس.

في هذا اللقاء حكت الحاجة حميدة بكل حرقة وبصوت تقطعه عبرة البكاء بين حين وآخر عن ابنها الشهيد بن عيسى، وكيف ألقى الأمن القبض عليه في العام 1989 وكيف أنها و منذ القبض عليه لم تسمع عنه أي خبر أو وصلها منه سلام يطمئن قلبها المكلوم جراء فراقه دون أن تراه أو تملأ ناظريها منه في لحظة وداع أخيرة بينهما حين القبض عليه.

في صباح كل سبت يشاهد سكان مدينة بنغازي الحاجة حميدة جالسة على كرسيها المتحرك مع أسر أهالي ضحايا بوسليم في اعتصامهم الأسبوعي، يشاهدونها جالسة مع الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأبناء والبنات اليتامى، ولسان حالهم يقول : ألا من حل لقضيتنا؟ هل سنرى جثامين أولادنا وندفنهم ونقيم لهم صلاة الجنازة؟ من المسؤول عن قتلهم؟ وبأي ذنب قُتِلوا وهم عُزّل من السلاح؟ وكيف نفذ فيهم حكم الإعدام دونما منحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم؟

تتحدث الحاجة حميدة التي ناهزت الخامسة والسبعين من عمرها عن ابنها الشهيد بن عيسى اجعودة فتقول'آخر مرة رأيته فيها كانت في ليلة الخامس عشر من شهر يناير من العام 1989، كان نائما في فراشه عندما قُبِض عليه، وعندما استيقظت في الصباح و لم أجده في فراشه اعتقدت أنه ذهب لآداء صلاة الفجر في المسجد ومن المسجد ذهب إلى عمله، حتى جاء المساء و لم ألتقِ به و لم أعرف مكانه، إلى أن جاءني ابني المرحوم صالح وسألني : هل رأيتِ بن عيسى في الصباح؟ فقلت له : لا لم أره. فقال لي : هناك حملة قبض و أعتقد يا أمي أنه واحد ممن قبض عليهم.فأجبته في الفور'في الجنب الحصين إن شاء الله'ومنذ ذلك الوقت لم أر بن عيسى ولم أسمع عنه خبرا،رغم سؤالنا عنه مرارا وتكرارا ولكن لا أحد يجيب تساؤلاتنا سلبا أو إيجابا'.

وتمضي الأيام والحاجة حميدة لا تعرف شيئا عن فلذة كبدها، ماذا حدث معه أو أين أخذه الأمن إلى أن سمعت ووفقا لحديثها 'من يقول إن الأمن أخذ كل المقبوض عليهم في تلك الليلة التي قبضوا فيها على ابني بن عيسى إلى إحدى المزارع وفي الصباح نقلوهم إلى سجن بوسليم، فذهبنا هناك لرؤيته والسؤال عنه وأخذنا معنا الطعام والمال، وكان يخرج علينا من باب السجن أحد الحُرّاس ويسألنا بشدة : ماذا تريدون؟ ويأخذ منا ما نحمله ويدخله إلى السجن دون أن يسمح لنا بالدخول، فنبقى خائفين إلى الليل أمام السجن لا نعرف مكانا أو أي أحد نذهب إليه، إلى درجة أننا قد نمنا ذات مرة في العراء، وكان معي ابني الصغير'.

تسليم دون مقاومة

وفي ردها على سؤال حول قيام الذين قبضوا على بن عيسى اجعودة بالهجوم على عائلته أو مداهمة بيتهم بعد القبض عليه نفت ذلك بقولها : لا لم يهجم علينا أحد، وقد نُقل عنه قوله إنه سلم نفسه طواعية لهم بعدما جاؤوا لأخذه حتى لا يتسبب في 'فجعة' لوالده الذي كان مريضا ،يبدو أنه شعر بمجيئهم فخرج إليهم بدون مقاومة'.

وأكدت هذه الأم الصابرة أنها لم تر فلذة كبدها منذ أن قبضوا عليه في العام 1989 وحتى استشهاده في مجزرة بوسليم. مضيفة أنها لم تسمع حتى صوته بالهاتف ولم تصلها عنه معلومة أو شئ يفيدها بحياته أو بموته، وعند وفاة أخيه صالح في حادث الطائرة الليبية بين مدينتي طرابلس وبنغازي حاولنا زيارته في السجن لإخباره فلم يسمح لنا حتى بذلك'.

أقوى من الدنيا كلها

وعن كيفية تلقيها نبأ استشهاد ابنها الشهيد بن عيسى اجعودة في مذبحة سجن أبو سليم تقول الحاجة حميدة 'أبلغنا الأمن بذلك في عيد المولد النبوي الشريف وتحديدا يوم 17 / 2 / 2009'.مضيفة بقولها إنها عند دخول أبنائها عليهم وكانت وجوههم حزينة 'شعرت أن هناك شيئا، فسألتهم : ماذا هناك؟ فقالوا لي : أخبرونا أن بن عيسى استشهد في سجن أبو سليم، فقلت لهم : ولو أخبروكم، والدتكم أقوى من الدنيا كلها، وأقمنا العزاء في منزلنا'.

وتواصل الحاجة حميدة قولها إنها في هذه اللحظة لم تجد ما تقوله سوى كلمة وحيدة قالت إنها جاءت على لسانها وقتذاك وهي 'انعنّك يا جار الميلود بخير اتعود وتاخذ حق اللّي مفقود 'ورددها معها الحاضرون من المقهورين أمثالي. حسب قولها.

وتواصل 'كنت أعرف أن ابني استشهد في سجنه، كنت أحس بذلك طيلة عشرين سنة ؛لأنني كنت أعرف أنهم قضوا حاجتهم من أخذه وأخفوا الخبر، وكنت متأكدة أنه غير موجود بين أيادٍ أمينة، والدليل على كلامي أنهم لم يقوموا بأي حل مثلا لضمان إخراجه أو السماح لي بزيارته'.

بكاء في كل وقت وحين

وتقول الحاجة حميدة 'لقد حضرت دخول الطليان للبلاد، إنهم أرحم من هؤلاء، وبسبب هؤلاء أقيمت سرادقات العزاء في كل المدن الليبية تقريبا، وهنا تنهدت الحاجة حميدة بقوة قائلة' آآآآه يا ليبيا، يانا يا عويلة بنغازي كل نهار ادير تعازي، هذا شبابك يا برقة كل نهار اتجيهم ورقة'.

وتوضح بقولها 'تاريخنا نظيف ومشرف، بدءاً من والد بن عيسى وحتى جميع إخوته، لسنا متملقين'. وهنا تغالب الحاجة حميدة دموعها والعبرة تخنق صوتها 'إنني أبكي في كل وقت، أبكي و أنا نائمة، وأبكي وأنا مستيقظة، أبكي في كل أوقاتي، ابني الشهيد بن عيسى كان معروفا بين أهله وأصدقائه وجيرانه بأنه متدين وملتزم بدينه، كان ملازما للصلاة بالمسجد وخصوصا صلاة الفجر، نعم كان معروفا بذلك ، حيث كان يصلي الفجر حاضرا في المسجد، كان صيته طيبا وسمعته حسنة، وكان يساعد الفقراء والمحتاجين، كان ابني عيسى موفقا من الله عز وجل'.

وأضافت الحاجة حميدة بقولها 'كنت قبل القبض على ابني بن عيسى وسجنه قد خطبت له بنتا نعرف أصلها ونسبها، كانت من عائلة محترمة، وبسبب سمعته الحسنة لم تطلب منا أسرة الفتاة شيئا ولم يشترطوا علينا أي شرط ، كانت أمنيتي أن أزوجه، لكن هو أمر الله تعالى'.

أبناؤنا أبرياء

وباستغراب شديد تقول الحاجة حميدة متسائلة 'إن أبناءنا أبرياء، فهل وجودهم يسرقون أو يريدون إثارة القلاقل والفتن في البلاد؟ هل تآمر أبناؤنا على النظام في ليبيا؟ أرونا أين وضعتم أبناءنا، ولماذا قتلتموهم؟ وبأي ذنب سجنتموهم؟'.

وعند سؤالها عما تريد قوله لأسر شهداء مجزرة بوسليم قالت 'رحم الله أبناءهم وأخذ حقهم 'ثم سكتت قليلا وقالت 'الله يأخذ حق ضنانا لا جثمان ولا جبانة - انعنك يا قتّال الخوت اتم جرينه لين اتموت - انعنك يا سفاك الدم متبهدل من هم لْهَمْ'.

رافع اجعودة شقيق الشهيد

رفض للتعويض

وفي سياق الحديث عن مبدأ التعويض حلاًّ لقضية بوسليم بين أهالي الضحايا من جهة والدولة من جهة أخرى أعلنت الحاجة حميدة أنها ترفض - وبشكل قاطع - التعويض مقابلا لاستشهاد ابنها.بقولها 'هل تكون الأموال قيمة للإنسان المغدور؟؟!! الأموال ليست لها قيمة، نحن لا نبيع أبناءنا بل نريد قاطعي رؤوسهم'. ومضيفة 'يعوضنا الله'.

من جانبه قال رافع اجعودة وهو شقيق الشهيد عيسى'مطالبنا هي معرفة مكان الجثامين، ونريد اعتذارا رسميا من الدولة وتسليمنا وثائق الوفاة الحقيقية من حيث التوقيت، فتواريخ الوفاة مختلفة من عائلة إلى أخرى،نريد تعويضا عادلا، ولن نصالح الدولة حتى ترفع مقام الشهداء'.ومتسائلا'كيف نصالح؟ وعلى أي أساس نصالح ونحن ليست لدينا مستندات حقيقية نعرف من خلالها مكان الجريمة ومن المسؤول عنها'.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق